ما دمتي هنا فلا بأس
بقلم - ميار مختار
أنا كلما أنتكس أكتب ..
ولكن اليوم اكتب فرحًا .. انكث عهدى بالبقاء مع الحياة .. فأتذكر عهدى معك، وأتراجع.
فإلى التى منحتنى الحياة .. إليك أنت بعضا من مكنوناتى
اليوم تقترب خطاك نحو عقدك الخامس.
اليوم تشيبى بنضجى، تتغير ملامحك، وتقصر قامتك، تتجعد بشرتك، وتضعف خصلات شعرك، تتباعد أفكارنا وتقسو نقاشتنا وتزداد مشاجرتنا، وتهاجر ثقافتنا لعوالم تتناقض شكلًا ومضموناً
لكن يا أمى دعينى اخبرك ، بأن ملامحك تتغير للأجمل وتقصر قامتك لتزدادى جاذبية، وتتجعد بشرتك مع حمرة ساحرة، تتباعد أفكارنا لتتقارب، تزداد مشاجرتنا فيكون للصلح تأثير فاتن، ترحل ثقافتنا لعوالم متناقضة فنجتهد لنتلاقا.
دعيني أخبرك أنك الصديقة، والحبيبة، والقريبة، أنك الدار والديار والدوار ، وبأنى أحيا لأجلك وأفنى فى سبيلك، فى رحلة البحث عن ذاتى وجدتك، وبالركض خلف هدفى عثرت عليك ، وتجلت شرارة حياتى فى تبسمك.
دعينى أخبرك بأنك بركة حياتى، ونور بيتى، مرآتى التى تبرز عيوبى، وندبات ضعفى، ومظاهر قوتى، ومواطن جمالى وسحر مفاتنى.
مساحتى الآمنة ومحراب الرب للاعتراف بذلاتى.
أنت يا أمى ملجأى وملاذى ومأمنى وأمنى وأمانى،، لا أكرم فى حياتى إلا لأجل عيناك.
أنت هندستى الاجتماعية للواقع ونافذتى على العالم، وقشتى المنقذة فى بحر من الغرق.
شديدة الدفء أنت كموطني الزاهى الذى لطالما أصبغ أيامى الباهتة، ودائما ما يخيط لى جراح الليالى.
ترهقنى أفكارى بخوض معاركى دونك، أتسائل مراراً كيف تبدو الأيام بلا رؤياكى.
فمثلا وجودك بالبيت، أكلة جديدة ساخنة فى ليالى الشتاء الباردة، مشاركتك فيلم السهرة، احتساء فنجانين من القهوة.
يدك تمسح رأسى بآيات من الذكر، رائحتك، صوتك يغرد فى مطبخ بيتنا المتواضع.
تفاصيلنا الدافئة فى اشتباك أيدينا بشوارع وسط البلد، وعبورنا الطريق فى ميدان روكسى، أفراطنا فى تناول"آيس كريم قويدر" ، أو حتى نُزهتنا داخل محل القصب، البعيد مسافة شارعين عن منزلنا، وقائمة من سؤال واحد لا يتغير (نعمل أكل إيه بكرة؟).
كانت تلك التفاصيل تشقينى حين مرضتى، كان درسا قاسيا رغم كونه خارج سيطرتك، أدركت فيه سر وجودك، وعظمة كيانك، صفيت حينها مشردة النفس، وحيدة هالكة، أحتمل مسؤولية تعظم فى حملها عن كذبة الاستقلال التى لطالما زعمت أنى أحياها وأتفلسف بها.
دعينى أُخبرك أنى استشعرك يا أمى فى النظرة، واللمسة، والقبلة والضحكة، أفخر بدعمك لاخفاقاتى، وأحيا بقبولك ذاتى وتذكرك لانجازاتى.
فاليوم أعتذر وأعترف وأشكرك وأدعو الله .
أعتذر يا أمى بشدة، عن كل لحظة وجب فيها قول أو فعل يرضيكى ولم أفعل، عن جهلى لمشاعر خوفك، وتزعزع يقينى نحو نظرتك الصائبة للأمور، عن كل صوت تعدى حدوده، وكل عند وسوء فهماً ولد حزنا فى قلبك.
أعتذر عن كل لحظة ثقة، لم أكن بها جديرة.
أعترف: أنى "أحبك"، غاضضة الطرف عن كلمة ظالمة مهلوكة مؤخرَا بين جموع بنى الانسان، تذكر فى وقتها ودون ذلك، بمشاعر حقيقة أو تزيف تضامنا مع النفاق الاجتماعى، باهتة وليس لها قيمة".
ولكنى أحبك، دون قيود، أحبك بشكل مطلق وغير مشروط
و أشكرك لتحملك أمرى أما وأبا منذ الثالثة و حتى عشريناتى، بمؤهل عالى بكالوريوس إعلام جامعة القاهرة، صحفية بعدة جرائد، ومدربة وميسرة بمواقع أخرى، أشكرك على جعلى مميزة ومقبولة وسط مدرسينى ورؤسائى ، أشكرك بعدد شهادات تقديرى وجوائزى ونعمى التى أحياها بفضلك بعد الله.
أدعو الله ولا أرجو الكثير، فقط أن أحفى بعامك المائة وأنتى بجانبى، وبجوارى، وخلفى، وأمام ناظرى.
فلا بأس بدنياى يا أمى .. أنت هنا وكل شىء على ما يرام.



