دكتور حمدي سعد.. مدير مستشفى سوهاج الجامعي

لا أحب متابعة نشرات الأخبار، أكرهها وأمقتها بشدة، فقد تجلب إلى غرفة نومك مشاهد مروعة لقتلى وجرحى فى مناطق متفرقة من هذا العالم المتوحش.


أكره كل القنوات الإخبارية، لا أحتمل متابعتها، فهى تتسبب فى شعورى المتفاقم بالكآبة الشديدة، فلا أحتمل رؤية قاذفات القنابل، ولا سماع دوى الانفجارات، ولا أطيق سماع أرقام الضحايا الذين تلتهمهم آلة الحروب المجنونة الغاشمة، ولا يحتمل قلبى رؤية صورالنازحين الهاربين من الموت إلى الموت. 


أكره الموت والقتل، وأكره تخريب العمران وهدم البنيان وقهر الإنسان. أكره دعاة الحرب والمروجين لها وسماسرة الحروب والمتربحين منها. 


ولأن الصور الوحشية للضحايا تلتصق بذهنى لفترات طويلة، تقض مضجعى وتؤرق راحتى وتلقينى فى أمواج متلاحقة من الاكتئاب، لذلك اتحاشي أى صورة أو فيديو لأى ضحايا، حفاظا على البقية الباقية من قواى النفسية.


لكن لحظى التعس، ساقت الاقدار فى طريقى فيديو قصير يصور دبابة روسية تدهس سيارة بداخلها مواطنين اوكرانيين أبرياء لا ذنب لهم ولا جريمة.  هؤلاء المدنيين العزل دهستهم آلة عسكرية مجرمة، يقودها مجرم حرب، عدو للإنسانية. لم أستطع استكمال الفيديو، ولم أحاول أن أعرف عدد المصابين، فالمؤكد أنهم قد واجهوا جريمة ضد الإنسانية لابد أن يحاكم مرتكبها ويلقى جزاءه العادل. 


بغض النظر عن جنسية القتيل أو ديانته أو عرقيته، فأن الفطرة الإنسانية السليمة تأبى هذه المشاهد الدموية الاجرامية. فحتى لو لم يكن ممكن تجنب الحرب، فلابد - إذا قامت -من حماية المدنيين العزَّل وفقا للقوانين الدولية والاعراف الإنسانية والشرائع السماوية. 


أدين قتل الأبرياء مهما كانت جنسيتهم أو انتماءهم الدينى والعقائدى، وأدعو الله أن يلعن القتلة من كل جنس ومن كل ملة، وأن يذيقهم فزع الموت الذى اذاقوه للأبرياء وقتلوهم بدم بارد. 


إن هذه الدبابة لم تدهس هذه الأسرة فقط، بل دهست معها كل القيم الإنسانية ، وكشفت عورات النفوس البشرية المريضة للقادة وللدول التى صمتت على هؤلاء السفاحين خوفا على مصالحها الضيقة. 


إن التنديد بالقتل واجب على كل ذى قلب حى وفطرة سليمة. 


إننى اتعاطف بشدة مع الشعب الاوكرانى وكل شعب يتعرض لهذه المجازر والمذابح الجماعية المروعة، وأحلم بالعيش فى عالم يسوده المحبة والسلام،  يذهب فيه الأطفال إلى المدارس وليس إلى الملاجئ، يلعبون فى فناء المدارس وليس فى مخيمات اللاجئين، يبيتون فى أحضان أمهاتهم وليس تحت الانقاض. 


حاكموا من دهسوا الإنسانية واغتالوا الأحلام البريئة، حاكموهم وانتصروا لمبادئكم وللانسانية وللحق والعدل.