بقلم :

هشام بن محمد الجودر

سفير مملكة البحرين لدى مصر  والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية

من يقرأ في سجلات التاريخ يعرف أن العلاقة بين مملكة البحرين والشقيقة جمهورية مصر العربية ليست وليدة اليوم أو محض المصادفة، بل تمتد العلاقات بين البلدين إلى جذور التاريخ بحكم كونهما احتضنتا أقدم حضارتين عرفتهما البشرية، الحضارة الفرعونية والحضارة الدلمونية. 

إن ما يجمع البحرين ومصر من علاقات متميزة، والتي نعيشها اليوم، ما هي إلا ترجمة حقيقية لعمق الروابط الأخوية بين البلدين، في كافة المجالات، توجتهما حكمة كل من سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى حفظه الله ورعاه، وأخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، وتوافق رؤيتهما تجاه القضايا والتحديات الاقليمية، والتي تؤكد حرصهما على أهمية قوة وصلابة البلدين الشقيقين والأمة العربية جمعاء في مواجهة كافة التحديات والقضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها قضايا الإرهاب والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ومحاولات النيل من استقرار وسلامة أوطاننا. فعلى الصعيد السياسى تنطلق القاهرة والمنامة من رؤية موحدة إزاء قضايا المنطقة، كما يحرص قادة البلدين على تنمية التعاون الاقتصادي، وتعظيم الاستفادة من كافة الطاقات والإمكانات البشرية التي تدفع بجهود التنمية والتقدم إلى الأمام، وأيضًا اهتمامهما وتأكيدهما على مد جسور التعاون الثقافي بين البلدين الشقيقين في كافة المحافل لتكون الثقافة هي لغة السلام والتسامح في التصدي لدعاة التطرف والإرهاب.

ويسجل التاريخ العديد من مواقف الدعم المصري للبحرين، والدعم البحريني لمصر، كما يسجل مواقف رمزية للتعبير عن مدى عمق أواصر العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين الشقيقين. وتذكر قيادة مملكة البحرين الحكيمة وشعبها الكريم بالود والعرفان إسهام الخبرات المصرية البارز في مختلف المجالات الإنمائية منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وأبرزه مشاركة المعلمين المصريين في إنشاء أول مدرسة نظامية بالبحرين في عام 1919. ولا يزال التواجد المصري بارزا بمملكة البحرين، متمثلا في عمل مختلف الخبراء والاستشاريين المصريين في العديد من الوزارات والهيئات الحكومية والمؤسسات الخاصة بالمملكة.

كانت مصر دوما سباقة بإعلان الدعم الرسمي للبحرين، ومن أوائل الدول التي سارعت بالاعتراف باستقلالها في عام 1971. وفى عام ٢٠٠٢م أيدت مصر رسميًا التعديلات الدستورية التي تحولت في أعقابها البحرين إلى النظام الملكي، وجاء موقف شيخ الأزهر خلال لقائه بالرئيس الإيراني على هامش القمة الإسلامية بالقاهرة في فبراير 2013، الذي أكد على ضرورة احترام الجميع لاستقلال البحرين وعروبتها وعدم التدخل في شأنها الداخلي، ليضيف المزيد لرصيد الدعم المصري المستمر لسيادة المملكة وعروبتها.

فيما يشهد تاريخ العلاقات بين البلدين دعما بحرينيا لمصر، حيث دعمت البحرين مصر عبر كافة حركات التحرر الوطنية المصرية، وخلال كافة الأزمات التي واجهت الشعب المصري طوال القرن العشرين، وجاءت مبادرات البحرين الرسمية بدعم ومساندة الحكومات والقيادات المصرية تأكيدًا لهذا الدعم الشعبي البحريني لمصر، خصوصًا في اللحظات التاريخية الفارقة مثل ثورة 23 يوليو عام 1952، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وتجاوب البحرينيين حكومةً وشعبًا في دعم المجهود الحربي لمصر بعد نكسة عام 1967، ومن بعدها الوقوف بجانب الأشقاء في مصر خلال حرب أكتوبر 1973م. واستمرت معالم الدعم البحريني الثابت لخيار الشعب المصري منذ قيام ثورة يناير عام 2011، كما كانت مملكة البحرين من أوائل الدول التي أيدت ثورة 30 يونيو 2013، ويحرص جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، على مشاركة مصر في جميع مناسباتها الرسمية المهمة، فقد حضر حفل تنصيب فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وشارك أيضًا في حفل افتتاح قناة السويس، ومؤتمر مصر الاقتصادي لدعم الاقتصاد الوطني.

إن الجميع يعلم أنه في الوقت الذي حاول فيه البعض سواء من الداخل أو من الخارج أن يتآمر على هذا البلد الطيب إلا أنه بحكمة وقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري المخلص، استطاعت مصر دحض هذه المؤامرات وأن تعود إلى الساحة بمكانة يشهد لها العالم عالمية شامخة بالعزة والفخر.

إن مملكة البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، تقف قلبا وقالبا مع مصر وقيادتها وشعبها الشقيق ضد أي محاولة للمساس بالأمن القومي المصري والعربي، فالرؤى مشتركة والمصير واحد بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، لذا كانت المملكة من أوائل الدول التي أصدرت بيانات تأييد لجميع القرارات وجميع المواقف التي اتخذتها مصر سواء فيما يخص تطورات الشأن الليبي أو فيما يخص ملف سد النهضة، أو غيرها من المواقف المهمة.

ففي جميع المواقف نرى الدعم والمساندة المباشرة من قبل مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المفدى والحكومة الموقرة ومجلس الوزراء، فكانت البحرين دائما داعمة لمصر، ولاتنسى طبعا الدعم الذي تقدمه جمهورية مصر العربية وقيادتها وشعبها في كثير من المواقف التي مرت بها مملكة البحرين.

إن أمن مصر جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، والكل يشهد ويعلم الدور الذي قامت به مصر ليس الآن ولا قبل سنوات، بل التاريخ كله يشهد أن مواقف جمهورية مصر العربية كانت ولا زالت داعمة لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، فمصر كان لها موقف قومي مشرف في حرب الخليج، وفي كثير من المواقف نرى جمهورية مصر العربية داعمة بأفعالها وجهودها العربية والعالمية، فكان موقف مصر وقيادتها ثابتا وقويا والكل يشهد بذلك.

ومنذ تشرفي بصدور الأمر الملكي السامي بتعييني سفيرًا للمملكة في بلدي الثاني مصر، في شهر نوفمبر من العام 2019، كان على قائمة المهام والتوجيهات التي وجهني بها جلالة الملك المفدى، حفظه الله، بأن يكون هناك مزيد من العمل والجهد، لتطوير هذه العلاقة الوثيقة والتي تشهد تطورا ملموسا في جميع المجالات.

ومن هذا المنبر، مجلة الأهرام العربي، يشرفني توجيه الدعوة إلى الأشقاء المصريين من رجال الأعمال والمستثمرين للاستثمار في بلدهم الثاني مملكة البحرين، فالمملكة تمتلك كل المقومات اللازمة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار بها كونها منصة مهمة للوصول إلى أسواق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.


 وبتوجيهات سامية من قيادتي البلدين نعمل مع أشقائنا في مصر على تفعيل المبادرات الهادفة لتعزيز التعاون الإقتصادي والتجاري بين المنامة والقاهرة بناء على قوة العلاقات السياسية والاستراتيجية بينهما.

إن العلاقات المصرية البحرينية ستبقى نقطة مضيئة في سماء العلاقات الثنائية على الصعيد العربي في ظل روح المودة والإخاء التي تحكمها، وتشعب وتعدد دوائرها السياسية والإقتصادية والثقافية.

وخلال وجودي على مدار أكثر من عام سفيرًا لبلادي في مصر أرض الكنانة وقلب العروبة النابض، أبقى شاهدًا على مدى الإنجاز والتطور الذي تشهده مصر الحبيبة على كافة الأصعدة لتستعيد مكانتها وريادتها وقوتها. إنها الشقيقة الكبرى التي يستمد منها العرب قوتهم، فتبقى قصة الإنجاز والإنطلاق في مجال النهضة العمرانية وتطوير البنية التحتية في كافة محافظات مصر وقراها ومدنها وشوارعها هي التي تتحدث بنفسها عن مدى الجهد المبذول من الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة المصرية التي تسابق الزمن لتستعيد بريقها، فحجم المشروعات التي تقوم بها الدولة المصرية خير شاهد على هذه الثورة الحضارية الضخمة من خلال المشروعات القومية وتطوير البنية التحتية وبناء الجامعات والمدن العمرانية الجديدة والقضاء على العشوائيات وتطوير الريف المصري. وأبقى شاهدًا على ذلك من خلال زياراتي لمواقع جديدة كالعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة، وتجولي ومشاهداتي في شوارع مصر المحروسة التي أحبها مثلي مثل أي مواطن بحريني وعروبي، لتبقى مصر بنيلها شريان للحياة في كل وقت وحين، رائدة وقائدة وحاضنة لكل أشقائها العرب.

نقلا عن مجلة الأهرام العربي